فصل: كتاب الغصب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***


كتاب الغصب

كتاب ‏(‏ الغصب ‏)‏ وكان المناسب إيراده تلو كتاب الحجر لما بينهما من المناسبة الظاهرة لكن عارضه أن إيراد المأذون بعد الحجر أدخل في المناسبة لما تقرر من أنه فك الحجر فأورده بعده كما في المنح هو في اللغة أخذ الشيء من الغير على وجه القهر مالا كان أو غيره حتى يطلق على أخذ الحر ونحوه مما لا يتقوم يقال غصبه منه وغصبته عليه وقد يسمى المغصوب غصبا تسمية للمفعول بالمصدر ‏.‏ وفي الشرع ‏(‏ هو ‏)‏ أي الغصب ‏(‏ إزالة اليد المحقة ‏)‏ أي التي لها حق ‏(‏ بإثبات اليد المبطلة ‏)‏ في مال متقوم محترم قابل للنقل بغير إذن مالكه لا بخفية وهذه القيود لا بد منها ‏;‏ لأن قولنا في مال بمنزلة جنس لكونه شاملا مع أنه احتراز عن ميتة وحر وقولنا متقوم احتراز عن خمر مسلم وقولنا محترم احتراز عن مال الحربي وقولنا قابل للنقل احتراز عن العقار فإن غصبه غير متصور خلافا لمحمد فعنده الغصب تفويت يد المالك لا غير ‏.‏ وعند الأئمة الثلاثة إثبات يد مبطلة لا غير وفائدة الخلاف في زوائد المغصوب كولد المغصوبة وثمرة البستان فإنها ليست بمضمونة عندنا وعندهم مضمونة وقولنا بغير إذن مالكه احتراز عن أخذه من يد المالك بإذنه كالوديعة وقولنا لا بخفية احتراز عن السرقة ثم أشار إلى الخلاف بقوله ‏(‏ فاستخدام العبد ‏)‏ أي عبد الغير بغير إذنه ‏(‏ وحمل الدابة ‏)‏ أي دابة الغير بغير إذنه ‏(‏ غصب ‏)‏ لوجود إزالة اليد المحقة وإثبات اليد المبطلة فيهما ‏(‏ لا الجلوس على البساط ‏)‏ ‏;‏ لأن الجلوس عليه ليس بتصرف فيه إذ البسط فعل المالك وقد بقي أثر فعله في الاستعمال فلم يكن آخذا وعند الأئمة الثلاثة الجلوس أيضا غصب ‏(‏ وحكمه ‏)‏ أي الغصب ‏(‏ الإثم إن علم ‏)‏ أنه مال الغير وأن ذلك الفعل غصب وأقدم عليه أما إن ظن أنه ماله فالضمان ولا إثم إذ الخطأ مرفوع ‏(‏ ووجوب رد عينه ‏)‏ أي عين المغصوب ‏(‏ في مكان غصبه ‏)‏ أي غصب الغاصب إياها لاختلاف القيم باختلاف الأماكن ‏(‏ إن كانت ‏)‏ العين ‏(‏ باقية ‏)‏ لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم ‏"‏على اليد ما أخذت حتى ترد‏"‏ أي يجب على اليد الغاصب رد ما أخذت حتى ترد فإذا ردت سقط وجوب الرد ‏(‏ والضمان لو هلكت ‏)‏ أي العين سواء علم أو لم يعلم وسواء هلك أو أهلك ‏;‏ لأنه حق العبد فلا يتوقف على علمه وقصده ‏(‏ ففي المثلى ‏)‏ وهو ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت متعد به كما في أكثر الكتب لكن يشكل بنحو التراب والصابون فإنه قيمي ‏(‏ كالكيلي والوزني والعددي المتقارب ‏)‏ أي ما لا يتفاوت آحاده في القيمة ‏(‏ يجب مثله ‏)‏ ‏;‏ لأن هذا الواجب ضمان جبر والجبر إنما يتحقق بإيجاب المثل لقوله تعالى ‏{‏ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ‏}‏ ورد العين هو الموجب الأصلي ‏;‏ لأنه أعدل وأكمل ورد القيمة أو المثل مخلص يصار إليه عند تعذر رد القيمة ولهذا يطالب برد العين قبل الهلاك ولو أتى بالقيمة والمثل لا يعتد به لكونه قاصرا ‏.‏

فصل وإن غير ما غصبه بالتصرف فيه

فصل ‏(‏ وإن غير ما غصبه ‏)‏ بالتصرف فيه احتراز عما إذا تغير بغير فعله بأن صار العنب مثلا زبيبا بنفسه أو الرطب تمرا فالمالك يخير إن شاء يأخذه وإن شاء يتركه ويضمنه ‏(‏ فزال ‏)‏ بذلك التغيير ‏(‏ اسمه ‏)‏ أي اسم المغصوب احتراز عما إذا غصب شاة فذبحها فقط فإن ملك مالكها لم يزل بالذبح المجرد إذا لم يزل اسمها به حيث يقال شاة مذبوحة لكن أورد على ذلك بقولهم شاة مشوية مع أنها تخلف المذبوحة في الحكم ‏(‏ وأعظم منافعه ‏)‏ أي أكثر مقاصده احتراز عن دراهم فسبكها بلا ضرب فإنه وإن زال اسمه لكن يبقى أعظم منافعه ولذا لا ينقطع حق المالك عنه كما في المحيط وغيره فلم يكن زوال الاسم مغنيا عن اسم المنافع كما في القهستاني فعلى هذا أن ما قال صاحب الدرر من أنه لم يقل وأعظم منافعه ‏;‏ لأن من قاله قصد تناوله الحنطة إذا غصبها وطحنها فإن المقاصد المتعلقة بعين الحنطة كجعلها هريسة ونحوها يزول بالطحن ولا حاجة إليه لأن قول زال اسمه مغن عنه ‏;‏ لأنه يلزمه ليس بسديد بل هو عدم اطلاع على ما قررنا نقلا عن المحيط وغيره تدبر ‏(‏ ضمنه ‏)‏ أي الغاصب المغصوب ‏(‏ وملكه ‏)‏ بتقرر الضمان على الغاصب كما هو المتبادر وإليه ذهب بعض المتقدمين ‏.‏ وقال بعض المتأخرين إن سبب الملك الغصب عند أداء الضمان فلو أبى المالك عن أخذ القيمة وأراد أخذ المغير لم يكن له ذلك كما في النهاية لكن حكى عن الإمام مفتي الثقلين أن الصحيح عند المحققين ومشايخنا على قضية مذهب أصحابنا أنه لا يملك إلا عند تراضي الخصمين بالضمان أو قضاء القاضي به أو أداء البدل كما في القهستاني نقلا عن الذخيرة وعند الشافعي في القول الأظهر لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف غير أنه إذا اختار أخذ العين لا يضمن النقصان عنده في الأموال الربوية وعند الشافعي يضمنه ‏.‏

فصل في بيان مسائل تتصل بمسائل الغصب

‏(‏ وإن غيب ما غصبه ‏)‏ أي إن جعل الغاصب المغصوب غائبا ‏(‏ وضمن قيمته ‏)‏ للمالك ‏(‏ ملكه ‏)‏ أي الغاصب المغصوب إن كان قابلا للنقل من ملك إلى ملك هذا عندنا ‏;‏ لأن المالك ملك البدل بكماله فيملك الغاصب البدل وإلا يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك شخص واحد فلا توجد العدالة بل يقع الضرر فيملك الغاصب المبدل كما ملك المالك البدل تحقيقا للعدالة بينهما ودفعا للضرر حتى لو كان المغصوب قريب الغاصب يعتق عليه بأداء الضمان عندنا ‏.‏ وقال الشافعي لا يملكه الغاصب ‏;‏ لأن الغصب محظور فلا يصلح سببا للملك ‏(‏ مستندا إلى وقت الغصب ‏)‏ وكل شيء ثبت مستندا فهو ثابت من وجه دون وجه فيكون ناقصا فلا يظهر أثره في حق الأولاد ويظهر في حق الأكساب وعن هذا قال ‏(‏ وتسلم له الأكساب ‏)‏ للتبعية ‏(‏ دون الأولاد ‏)‏ لأن تبعيتهم فوق تبعية الأكساب ألا يرى أن ولد المدبر والمكاتب مدبر ومكاتب ولا يكون أكسابهما مدبرا ومكاتبا ‏.‏

كتاب الشفعة

كتاب الشفعة تناسب الكتابان من حيث إن كلا منهما يفضي إلى تملك مال الإنسان بغير رضاه إلا أن الغصب يصلح شيئا لتملك مال والشفعة لا تجري إلا في العقار فلذلك قدم الغصب مع كونه عدوانا ‏(‏ هي ‏)‏ أي الشفعة لغة فعلة بالضم بمعنى مفعول من قولهم كان هذا الشيء وترا فشفعته بآخر أي جعلته زوجا له فهي في الأصل اسم للملك المشفوع بملك ولم يسمع منها فعل ومن لغة الفقهاء باع الشفيع الدار التي يشفع بها أي تؤخذ بالشفعة كما في القهستاني ومنه شفاعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للمذنبين لأنه يضمهم بها إلى الفائزين ‏.‏ وفي الشرع ‏(‏ تملك العقار ‏)‏ وهو الضيعة وقيل ما له أصل من دار وضيعة وما في حكمه كالعلو دون المنقول كالشجر والبناء فإنه من منقول لم تجب الشفعة فيه إلا بتبعية لعقار كالدار والكرم والرحى والبئر وغيرها ‏(‏ على مشتريه بما ‏)‏ أي بالذي أي بالثمن الذي ‏(‏ قام عليه ‏)‏ أي على المشتري ‏(‏ جبرا ‏)‏ أي من حيث الجبر ومعناه اللغوي وهو موجود فيه مع زيادة أوصاف كالتملك وعلى وجه الجبر وقيل هي ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشفيع بسبب الشركة أو الجوار وهذا أحسن كما في شرح الكنز للعيني وسببها اتصال ملك الشفيع بالمشتري ‏;‏ لأنها تجب لدفع ضرر الدخيل عنه على الدوام بسبب سوء المعاشرة والمعاملة من حيث إعلاء الجدار وإيقاد النار ومنع ضوء النهار وإثارة الغبار وإيقاف الدواب لا سيما إذا كان يضاده كما قيل أضيق السجون معاشرة الأضداد وشرطها أن يكون المحل عقارا سفلا كان أو علوا احتمل القسمة أو لا وأن يكون العقد عقد معاوضة مال بمال وركنها أخذ الشفيع من المتعاقدين عند وجود سببها مع شرطها وحكمها جواز الطلب عند تحقق السبب وصفتها أن الأخذ بها بمنزلة شراء مبتدأ حتى يثبت بها ما يثبت بالشراء نحو الرد بخيار الرؤية والعيب ‏.‏

فصل‏:‏ اختلاف الشفيع والمشتري في الثمن

فصل ‏(‏ وإن اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول للمشتري ‏)‏ مع اليمين ‏;‏ لأن الشفيع يدعي عليه حق الأخذ عند نقد الأقل والمشتري ينكره فالقول للمنكر ولا يتخالفان ‏.‏ ‏(‏ وإن برهنا ‏)‏ أي لو أقام كل منهما البينة على دعواه ‏(‏ فللشفيع ‏)‏ أي بينة الشفيع أحق بالتقديم عند الطرفين لكونه مدعيا ولأنه يمكن صدق البينتين بجريان العقد مرتين فيجعلان موجودين فالشفيع يأخذ بأيهما شاء ‏(‏ وعند أبي يوسف للمشتري ‏)‏ أي بينة المشتري أحق ‏;‏ لأنها تثبت الزيادة وهو قول الشافعي وأحمد ‏.‏

باب ما تجب فيه الشفعة وما لا تجب

‏(‏ باب ما تجب فيه الشفعة وما لا ‏)‏ تجب ‏(‏ وما يبطلها ‏)‏ أي الشفعة ذكر تفصيلها بعد ذكر الوجوب مجملا ‏;‏ لأن التفصيل بعد الإجمال ‏(‏ إنما تجب ‏)‏ أي تثبت ‏(‏ الشفعة قصدا في عقار ‏)‏ إنما قال قصدا لأنها تثبت في غير العقار بتبعية العقار كالثمر والشجر كما في الدرر وقوله ‏(‏ ملك ‏)‏ على صيغة المجهول صفة عقار واحترز بقوله ‏(‏ بعوض ‏)‏ عما إذا ملك بالهبة فإن الشفعة لا تجب فيها بقوله ‏(‏ هو مال ‏)‏ عما إذا ملك بعوض غير مال كالمهر ونحوه فإن الشفعة لا تجب له كما سيأتي ‏(‏ وإن ‏)‏ وصلية ‏(‏ لم يكن قسمته كرحى وحمام وبئر ‏)‏ وبيت صغير لا ينتفع إذا قسم عندنا لدفع ضرر الجوار خلافا للشافعي إذ عنده لا شفعة فيما لا تقسم ‏;‏ لأن وجوب الشفعة لدفع مؤنة القسمة فلا يستحق إلا فيما يقسم ‏.‏

فصل ‏(‏ وتبطل الشفعة بتسليم الكل أو البعض ‏)‏ أي كل المشتراة أو بعضها إلى البائع بعد البيع ‏;‏ لأن التسليم قبله لا يبطلها أما تسليمه الكل فلأنه صريح في الإسقاط وأما البعض فلأن حق الشفعة لا يتجزأ ثبوتا ‏;‏ لأنه يملكه كما ملكه المشتري والمشتري لا يملك البعض ‏;‏ لأنه تفريق الصفقة فلا يتجزأ إسقاطا فيكون ذكر بعضه كذكر كله كما في الاختيار ‏(‏ ولو ‏)‏ وصلية أي ولو كان التسليم ‏(‏ من الوكيل ‏)‏ والمراد من الوكيل الوكيل بطلب الشفعة وأما الوكيل بالشراء فتسليمه الشفعة صحيح بالإجماع وكذا سكوته إعراض بالإجماع ثم الوكيل بالشفعة إنما يصح تسليمه إذا كان في مجلس القاضي عند الإمام وعند أبي يوسف يصح مطلقا وعند محمد وزفر لا يصح تسليمه أصلا ولو أقر هذا الوكيل على موكله بأنه سلم الشفعة جاز إقراره عليه عندهما إذا كان في مجلس القاضي وإن كان في غيره فلا يجوز إلا أنه يخرج من الخصومة ‏.‏ وقال أبو يوسف يجوز مطلقا وقال زفر لا يجوز مطلقا وهي مسألة إقرار الوكيل وموضعها في الوكالة ‏.‏

كتاب القسمة

عقب بالشفعة مع اشتمال كل على المبادلة ترقيا من الأدنى إلى الأعلى لجوازها ووجوب القسمة في الجملة ‏(‏ هي ‏)‏ أي القسمة لغة بالكسر اسم من الاقتسام كما في المغرب أو من التقسيم كما في القاموس لكن الأنسب بما يأتي من لفظ القاسم أن يكون مصدر قسمه بالفتح أي جزأه كما في القهستاني ‏.‏ وفي الشريعة ‏(‏ جمع نصيب شائع في معين ‏)‏ أي في مكان معين وسبب القسمة طلب الشركاء أو بعضهم الانتفاع بملكه على وجه الخصوص حتى إذا لم يوجد منهم الطلب لا تصح القسمة وركنها هو الذي يحصل بذلك الفعل الإفراز والتمييز بين الأنصباء كالكيل والوزن والعدد والذرع وشرطها عدم فوت المنفعة بالقسمة فإن فاتت بها لا تقسم جبرا كالبئر والرحى والحمام لأن الغرض المطلوب منها توفير المنفعة فإذا أدت إلى فواتها لم يجبر وحكمها تعيين نصيب كل من الشركاء على حدة وهي مشروعة في الأعيان المشتركة ‏;‏ لأن النبي عليه الصلاة والسلام باشرها في المغانم والمواريث وجرى التوارث بها من غير نكير ‏.‏

فصل في كيفية القسمة

‏(‏ وينبغي للقاسم أن يصور ‏)‏ على قرطاس أو نحوه ‏(‏ ما يقسمه ‏)‏ ليمكنه حفظه وإصابته ‏(‏ ويعدله ‏)‏ أي يسوي ما قسمه على سهام القسمة ‏(‏ ويذرعه ‏)‏ أي يذرع ما قسمه ليعرف قدره بأن يصور الذرعان على ذلك القرطاس بقلم الجدول فيكون كل ذراع في ذراع بشكل لبنة ‏(‏ ويقوم بناءه ‏)‏ إذ التقويم محتاج إليه بالآخرة ‏(‏ ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه ‏)‏ ‏;‏ لأن القسمة لتكميل المنفعة وبه يكمل ولارتفاع النزاع هذا ما هو الأفضل إن أمكن ولذا يجوز تركه ‏(‏ ويلقب الأنصباء ‏)‏ جمع نصيب ‏(‏ بالأول والثاني والثالث ‏)‏ والرابع والخامس وهلم جرا ‏(‏ ويكتب أسماءهم ‏)‏ أي أسامي الشركاء ويجعلها بطاقات ويطوي كل بطاقة ويجعلها شبه البندقة ويدخلها في طنين ثم يخرجها ثم يدلكها ثم يجعلها في وعاء أو في كمه ثم يخرج واحدا بعد واحد ‏(‏ ويقرع ‏)‏ لتطييب المقلوب ‏(‏ فالأول لمن خرج اسمه أولا والثاني لمن خرج ثانيا والثالث لمن خرج ثالثا ‏)‏ إلى أن ينتهي إلى الأخير قال ابن الشيخ في شرح الوقاية ويكتب أسماءهم على القرعة أو غيرها ويبدأ القسمة من أي طرف كان فإن جعل الطرف الشرقي أولا يجعل ما يليه ثانيا ثم ما يليه ثالثا فيخرج القرعة المكتوبة فيعطي السهم لمن خرج اسمه فيها أولا والثاني لمن خرج اسمه ثانيا والثالث ثالثا بلا حاجة إلى إخراج قرعة إذ بقي له سهم واحد بلا منازع هذا في السهام المتساوية ظاهر وأما إن كانت متفاوتة بأن كان لأحدهم مثلا نصف وللثاني سدس وللثالث ثلث فيجعل السهام ستة فإن خرج في القرعة الأولى اسم من له الثلث اتفاقا فله السهمان أحدهما هو الملقب بالأول في طرف شرقي والآخر ما يليه تتميما لحقه ثم إن خرج في الدفعة الثانية اسم من له النصف فله ثلاثة أسهم على الاتصال فيبقى سهم واحد لمن له السدس بلا إخراج قرعة والقرعة هنا لإزالة تهمة الميل عن القسام أو القاضي في إعطاء كل سهامه لا في أصل الاقتسام فمعنى القمار يسقط عن الاعتبار ‏.‏

فصل في المهايأة

‏(‏ وتجوز المهايأة ‏)‏ عند تعذر الاجتماع على الانتفاع وهي لغة مفاعلة من التهيئة وهي الحالة الظاهرة للمتهيئ للشيء والتهايؤ تفاعل منها وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به وحقيقته أن كلا منهم رضي بهيئة واحدة ويختارها وقيل مفاعلة من التهايؤ فكأنه يتهايأ بالانتفاع به عند فراغ صاحبه والفرق بين القسمة والتهايؤ أن الأول يجمع المنافع في زمان واحد والثاني يجمع على التعاقب ويجري فيه جبر القاضي كما في القسمة فيما يحتملها وشرعا قسمة المنافع والقياس أن لا تجوز ‏;‏ لأنها مبادلة المنفعة بجنسها لكنها جازت استحسانا بالإجماع ‏.‏

كتاب المزارعة

لما كان الخارج في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة بعدها وهي مفاعلة من زارع من الزرع وهو إلقاء الحب ونحوه في الأرض ‏.‏ وفي الشرع ‏(‏ هي ‏)‏ أي المزارعة ‏(‏ عقد على الزرع ببعض الخارج ‏)‏ ويسمى المخابرة والمحاقلة ويسميها أهل العراق القراح ‏(‏ وهي ‏)‏ أي المزارعة ‏(‏ فاسدة ‏)‏ عند الإمام ‏;‏ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ‏"‏نهى عن المخابرة بالثلث والربع‏"‏ والمخابرة هي الزراعة على لغة أهل المدينة والتخصيص بالثلث والربع للعادة في هذا الزمان بهما إذ الفساد ثابت في غيرهما أيضا ولذا قيل في التعريف ببعض الخارج ولأنها في معنى قفيز الطحان ولأن الأجر مجهول أو معدوم وكل ذلك مفسد ومعاملة النبي عليه الصلاة والسلام أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح وهو جائز ‏(‏ وعندهما جائزة ‏)‏ ‏;‏ لأنه عليه الصلاة والسلام ‏"‏عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر وزرع‏"‏ ولأن الحاجة ماسة إليها ‏;‏ لأن صاحب الأرض قد لا يقدر على العمل بنفسه ولا يجد ما يستأجر به والقادر على العمل لا يجد أرضا ولا ما يعمل به فدعت الحاجة إلى جوازها دفعا للحاجة كالمضاربة ‏(‏ وبه ‏)‏ أي بقولهما ‏(‏ يفتى ‏)‏ لتعامل الناس وبمثله يترك خبر الواحد والقياس ‏(‏ قال ‏)‏ الإمام ‏(‏ الحصيري وأبو حنيفة هو الذي فرع هذه المسائل على أصوله ‏)‏ أي على قول من جوز المزارعة كما في الخلاصة ‏.‏ وفي المبسوط ثم التفريغ بعد هذا على قول من يجوز المزارعة وعلى أصول أبي حنيفة أن لو كان يرى جوازها ‏(‏ لعلمه أن الناس لا يأخذون ‏)‏ فيها ‏(‏ بقوله ‏)‏ لحاجتهم إليها وتعاملهم بها ‏.‏

كتاب المساقاة

لا يخفى عليك أنه كان المناسب أن يقدم المساقاة على المزارعة لكثرة من يقول بجوازها ولو وردت الأحاديث في معاملة النبي عليه الصلاة والسلام بأهل خيبر غير أن اعتراض موجبين صوب إيراد المزارعة قبل المساقاة أحدهما شدة الاحتياج إلى معرفة أحكام المزارعة لكثرة وقوعها والثاني كثرة تفريع مسائل المزارعة بالنسبة إلى المساقاة والمساقاة من المزارعة كما في النتف وإنما آثر على المعاملة التي هي لغة أهل المدينة ‏;‏ لأنها أوفق بحسب الاشتقاق ولم يفرق بين معناها اللغوي والشرعي فالتفرقة من الظن كما في القهستاني ‏(‏ هي دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء معلوم من ثمره ‏)‏ أي الشجر ‏(‏ وهي ‏)‏ المساقاة ‏(‏ كالمزارعة حكما ‏)‏ حيث يفتي على صحتها ‏(‏ وخلافا ‏)‏ حيث تبطل عند الإمام وتصح عندهما كالمزارعة وبه قالت الأئمة الثلاثة ‏.‏

‏(‏ وتبطل ‏)‏ المساقاة ‏(‏ بموت أحدهما ‏)‏ أي أحد العاقدين ‏(‏ فإن كان الثمر خاما ‏)‏ أي نيئا لكن في الفرائد كلام إن شئت فارجع إليه ‏(‏ عند الموت أو تمام المدة ‏)‏ على تقدير ذكر المدة فيها ‏(‏ يقوم العامل أو وارثه عليه ‏)‏ كما كان يقوم قبل ذلك إلى أن يدرك الثمر قال ابن الشيخ في شرح الوقاية إن مات الدافع في حال أن الثمر نيء يقوم العامل عليه كما قام وإن مات العامل والثمر نيء يقوم وارث العامل عليه كما قام مورثه ‏(‏ وإن ‏)‏ وصلية ‏(‏ أبى الدافع ‏)‏ على كونه حيا ‏(‏ أو ورثته ‏)‏ إن ميتا أي ليس لهما المنع من ذلك استحسانا كما في المزارعة لأن في منعه إلحاق الضرر به فيبقى العقد دفعا للضرر عنه ولا ضرر للدافع ولا على ورثته ‏.‏

كتاب الذبائح

وجه المناسبة بين المساقاة والذبائح إصلاح ما لا ينتفع به بالأكل في الحال للانتفاع في المآل ‏(‏ الذبيحة اسم ما يذبح ‏)‏ مجازا باعتبار ما يئول إليه لأن الذبيحة اسم لما ذبح أو لما أعد للذبح كما في شرح الكنز للعيني ‏.‏ وفي القهستاني والذبيحة ما يستذبح من النعم فإنه منقول إلى الاسمية من الوصفية إذ الذبيح اسم ما ذبح فليس الذبيحة المذكاة كما ظن والمراد ذبح الذبائح ‏(‏ والذبح ‏)‏ في الشرع ‏(‏ قطع الأوداج ‏)‏ جمع ودج والمراد الودجان والحلقوم والمريء وإنما عبر عنه بالأوداج تغليبا كما ورد في الحديث قال ابن الشيخ في شرح الوقاية الذبائح جمع ذبيحة وهي اسم للمذبوح والذبح بالفتح مصدر ذبح إذا قطع الأوداج وبالكسر اسم كالذبيحة والذكوة الذبح وهي اسم من ذكى الذبيحة تذكية إذا ذبحها قال حرم ذبيحة لم تذك قيل يراد بالذبيحة معناه المجازي فالمعنى حرم حيوان من شأنه الذبح إذا لم يذبح فيخرج السمك والجراد إذ ليس من شأنهما الذبح وقيل يراد بها معناها الحقيقي فالمعنى حرم مذبوح لم يذك بمعنى لم يذكر اسم الله تعالى عليه فهذا لا يتناول حرمة ما ليس بمذبوح كالمتردية والنطيحة ونحوهما تناولا ظاهرا وقيل المعنى حرم مذبوح لم يذبح ذبحا شرعيا فحينئذ يفهم حرمة مثل التردية والنطيحة بطريق الدلالة فإن ما كان حراما إذا لم يذك حال كونه مذبوحا فحرمة ما لم يذك حال عدم كونه مذبوحا أحرى وأليق وحكمه إلى الفهم أسبق لكن لا يخرج منه السمك يقال حمل الذبيحة على معناها المجازي أولى من الحمل على معناها الحقيقي إذ في تناول الحقيقي لحرمة بعض الصور تكلف وفي إخراج ما لم يذبح منه تعسف ‏.‏

فصل فيما يحل أكله وما لا يحل ‏(‏ ويحرم أكل كل ذي ‏)‏ أي صاحب ‏(‏ ناب ‏)‏ هو كل حيوان ينتهب بالناب كالذئب من سبع هو كل جارح منتهب قاتل ‏(‏ أو ‏)‏ يحرم كل ذي ‏(‏ مخلب ‏)‏ يختطف بالمخلب كالبازي من الطير فكان من شأنهما الإيذاء بالناب والمخلب وهو المؤثر في الحرمة وقوله ‏(‏ من سبع ‏)‏ بيان لقوله ذي ناب وقوله ‏(‏ أو طير ‏)‏ بيان لقوله ذي مخلب والمراد من ذي ناب الذي يصيد بنابه ومن ذي مخلب الذي يصيد بمخلبه لأكل ذي ناب ومخلب فإن الحمامة لها مخلب والبعير له ناب لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ‏"‏نهى صلى الله تعالى عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير‏"‏ ‏.‏ ‏(‏ ولو ضبعا أو ثعلبا ‏)‏ لأنهما من السباع فلا يؤكل لحمهما كالذئب والنمر والفهد والكلب والسنور أهليا أو بريا فيكون الحديث حجة على الأئمة الثلاثة في إباحة أكلهما ‏.‏